
عن كتاب اختلال العالم لأمين معلوف .
في روايات (أمين معلوف) سحرٌ وقيدٌ لم يزل في سطور كتابه " اختلال العالم " و الذي يقدم فيه رؤيته للأسباب المخلة بسيرورة هذا العالم نحو مجتمع معولم حُرِّ وديموقراطي كريم ، تحتل الثقافة والمعرفة و الفنون فيه المدرج الأول من السلم التعاملي و تتحد فيه الحضارات و القيم في بوتقة إنسانية جامعة . و تسمع صوت ( أمين معلوف) في الكتاب مرةً كواعظ و أخرى كقارئ استشرافي و تارةً كاستشراقي ذي منابت عربية تمكن من استعياب حضارتيه على حد تعبيره .
لقد كرهت ( معلوف ) بقدر ما أحببته في هذا الكتاب ؛ كرهته في نظرته " الواقعية !" لأمريكا كدولة عظمى وجب التسليم بذلك بشكل متخاذل يائس متضمنٍ القنوط عن مقاومتها و متمنياً عليها التغير والتبدل و تحمل مسؤولياتها تجاه العالم ، فانتخاب الرئيس الأمريكي لديه يمثل انتخاب رئيس العالم ، و بقدر ما يحمل هذا التصور شيئاً لا بأس به من الحقيقة إلا أنه ؛ قنوط المهزوم و حيرة الذات ؛ التي حمَّلَها العالم العربي- الإسلامي في مطاوي حديثه . هذا العالم المكسِّر الأجنحة والذي يراه خفَّ مسرعاً إلى " الشخصية الناصرية" لأنه وجد فيها الخلاص و الشرعيّة الضالَّة بعد هُوِيِّ السلطنة العثمانية و ارتهان ما خلفها من الأنظمة المهترئة إلى الغرب كما يُقرِّر ، و ما لبث قليلاً هذا العالم العربي بشعبه حتى نكست أعلامه مرة أخرى في تجاذبات اليسار و غبش الرؤية و ضخامة الشعارات الشاعرية.
(و كم أود معرفة رأيه الآن وقد كان يبين على سير العالم و الغرب خصوصاً نحو الخطة التسامحية القبولية بانتخاب أوباما و أود أن أعرف رأيه الآن و أوباما يخف بنفسه من ضعيف إلى أضعف في الداخل الأمريكي والخارج العالم ).
ثم أحببته حين لوَّح بقلمه كسيف و أشار إلى أن البشرية أمام أخطار بيئية محدقة وكوارث طبيعية منتظرة كالإحتباس الحراري و ذوبان القطب الجنوبي و يكفي بهذه الأخطار أن تشعل مصابيح الطريق نحو صياغة التزام عالمي و عقد جامع لعالم متجانس متعارف يخرج من قيود الهوية الضيقة بشكل طوباوي مثالي ( يعجبني) يقترب فيه من فكرة الخلاص و المهدوية لكن بدونه ، بيد أنه يعود لطرح التجربة الأوربية كصيغة أولية لهذا العقد والإلتزام مذكراً الأوربيين بمشاكلهم مع مآسي المهاجرين الذين يدخلون حضن الأم الأوربية التي لم تصل للطريقة الصحيحة حتى الآن لتدفئة هذا الحضن ، فلا زالت تدفعم نحو التخلي عن ذواتهم أو البقاء كآخرين على الأخص العرب منهم و هذا يفقدهم الكرامة و يحولوهم إلى قنابل ، ومن هنا يعيد تلك العودة للذات إلى انفجار الهوية الدينية بعد انخذال ونكسة اليسار في العالم العربي الإسلامي و ضمور العلمانية والديمقراطية لتتمكن الإسلاموية من جمع محاسن هذين التيارين مع قبول مسبق في أرضية الذات الشرق أوسطية لتسيل معها في نهرها .
الكتاب لم يطرح أفكاراً ظريفةً فقط ومعالجات طريفة في الحقيقة كمقارنته في فصل اليقينات الخيالية بين الحالتين المسيحية والإسلامية و تفريقه لهما - على أنه كان مسيحياً جيداً آن ذاك - و اعتقاده أن السيرورة في الإسلام كانت تتجه نحو أرضية علمانية منذ البدء لأن الخليفة ليس كسلطوية الباباوية الكاثوليكية و لأن الإسلام يوجه العلاقة بين العبد وخالقه مباشرةً مما يدع مندوحةً للتحرك الحر في هذه المنطقة لكنه يعود ليؤكد أن السلطة الكنسية كانت لها ظليعة في فسح الأفق الحر لتنطلق الأنوار في أوروبا ولم يحدث ذلك في الشرق ، ملفتاً أن ( الخلفاء ) ويقصد من الخلفاء هنا علماء الدين أنهم كانوا يأخذون رواتبهم من السلطة السياسية مما حدا بهم أن يسعوا جهدهم في الحفاظ على مكانتهم و دينهم أكثر و مما حدا بالسلطة السياسية أن تستولي على سلطهم وتسحقهم وتتعدى عليهم على العكس من المسيحية على حد قوله و بسبب هذا الخنق انتشر الديني في الجسم الإجتماعي .
طرحه الإنسانوي الثقافي في الكتاب يستحق القراءة و لكنّ الحل الذي يطمح له و إيمانه بالعلم - العلموية- كحل تجتمع لديه الخصوم و ميوله للتجربتين الأوروبية والأمريكية -كأنها تجارب مستقلة عن السيرورة التاريخية - على أنهما الآفاق التي ستؤوي التاريخ القادم ، و لم يشفع له انتقادهما و اقراحاته التصحيحية لهما من أن تضعه موضع اليائس المذهول بتلك التجربتين ،مما دفعه لإيضاح كيفية آماله في نهاية الكتاب. هذه النظرة شبيهة بالتأويلات الدينية التي يقول عنها لم تفلح في تخليص وتحرير قراءته . أتفهمه لكني كرهته أكثر مما أحببته في هذا الكتاب .
رابط الكتاب لمن يريد قرائته مباشرة بواسطة علي مولا الرجال الأجودي والبطل المعرفي في النت : https://docs.google.com/…/d/0B4tdKbWs3AxXenJtQXcxYlVjY…/edit
Comments
Post a Comment