لا أظن أن أي تجربةٍ فلسفيةٍ ذهنيةٍ نالت من الشهرة ما نالته تجربة رينيه ديكارت المشهورة بالكوجيتو " أنا أفكر ، إذن أنا موجود ". و في هذه التجربة سعى ديكارت من خلالها أن يؤسس لمبدأ غير قابل للدحض أو الشك فيه حتى يكون منطلقاً للتعرف على الوجود من الذات التي لا سبيل إلى نكرانها مهما حذق السفسطائي في التشكيك . لكن هناك تجربةً ذهنية ليست بشهرة تجربة ديكارت وهي تجربة طرحها الشيخ الرئيس ابن سينا المعروفة ببرهان الرجل المعلق في الهواء أو الرجل الطائر.
يُروى أن ابن سينا كان جالساً في سدة درسه وطرح هذه المسألة لطلابه قائلا: لو أنك خلقتَ دفعةً واحدةً و جُردت من المحسوسات والمعقولات بحيث أعضائك وأطرافك لا سبيل إلى تماسها مع أجزائها وكنت معلقاً في الهواء وقد غفلت عن سائر أعضائك فلا تستطيع إبصارها آنذاك، فإنك بلا شكٍ لا تغفل عن ذاتك نفسها.
الإختلاف هنا بين تجربة ديكارت وتجربة ابن سينا يتركز بدايةً في الغاية من كل تجربة على حدى . فغاية ديكارت محصورة في النظرية المعرفية / الابستمولوجية في حين أن غاية ابن سينا هو إثبات النفس وأنها ليست جزءً من البدن ولكنك تستطيع الخروج منها بنفس النتيجة المعرفية التي يريدها ديكارت نفسه وإن كانت غايتها إثبات النفس و وجودها. فمع ثبوت وجود النفس و مع ثبوتها لنفسها يثبت وجود الوجود بالضرورة والبداهة . وهنا ، ديبوراه بلاك - بروفيسور في قسم الفلسفة في جامعة تورنتو في كندا- لديها بحثٌ قيِّمٌ بعنوان " Avicenna on Self-Awareness and knowing that one knows" ما نستطيع ترجمته بـ" ابن سينا في الوعي بالذات والتعريف بأن الفرد يعرف " ، و تخلص إلى سبع نتائج متتابعة في النفس يمكن الخروج بها من هذه التجربة لمعرفة النفس/ ومعرفة أن النفس تعرف ذلك ؛ أولاً : أن من جوهر النفس أن لا شيء يمكن أن يكون نفساً إنسانيةً دون أن تملك وعياً بذاتها . ثانياً : أن لا سبب خارجي يمنح النفس معرفتها بذاتها . ثالثاً : أن لا أداة ولا وسيط يتطلبنا لنعي بذواتنا فنحن نحصل عليه من خلال النفس ذاتها( بالعلم الحضوري) . رابعاً : أن تَعَقَّلَ الذاتِ أمرٌ مباشرٌ غيرُ مشروطٍ .خامساً : أنه -أي التَعقُّل- موجود في النفس منذ مبدأ وجودها . سادساً : أنه ـ أي التعقل- أمرٌ استمراري غير مرحلي وغير مجزَّأ وسابعاً : أن النفسَ عاقلةٌ فقط .بمعنى أنها لكي توجدَ، يكفي أن تتعقل ذاتها فقط. و بطبيعة الحال فإن تعقل النفس ومعرفتها كمبدأ هو نفسه ما أراده ديكارت من الكوجيتو على أنه لا علاقة بين التجربتين حقيقية سوى أن تجربة ديكارت هي تحصيل حاصل كونها أثبتت نفسها بمجرد القول " أنا " أو " I " فلا حاجة للتفكير لاحقاً لإثبات ما ثبت قبلاً . كما أن الذات أسبق بمرتبة وجودية من فعلها ( التفكير) فتقع المغالطة بجعل المعلول دليلاً على العلة .
حسناً ، بعد هذا العرض المقتضب لهاتين التجربتين ، وأثناء بحثي عن التجربتين وجدت الاحتفاء بالإنجليزية بهما جديراً بالتأمل على قلة الاحتفاء به في المحتوى العربي في الشبكة و ربما وردت عَرَضاً هنا أو هناك . على أنها مسألة شبيهة بالكجيتو الديكارتي لكنك تجد الإحتفاء والتأسيس على الكوجيتو الديكارتي وفيراً غزيراً على النقيض من تجربة ابن سينا .
في تقديري ، أن تجربة ابن سينا الذهنية تستحق الإظهار أكثر والاحتفاء أكثر وليست هذه دعوى للإستغناء عن منتجات الثقافات الأخرى ولكنها دعوى للحفر المعرفي في تراثنا أكثر على الأخص فيما ينمي المعرفة كما نجده في بحث البروفيسور بلاك المذكور المتاح في الإنترنت . إن تراثنا الفلسفي يستحقُّ بكل أطيافه كذلك أن يُجلَّى أكثر ويُتاح أكثر -دون بخس لمجاهدات الكثيرين من الكتاب- بشكل حديث يُسِّهلُ على القارئ المعاصر في الشبكة المقارنةَ بين المناهجِ الموجودة وأن يتعرف على هويته الفلسفية المعرفية الموازية للهويات الفلسفية المعرفية الأخرى هنا دعوى لإكتشافها من جديد لا إحيائها من جديد وهي أكثر من ذلك دعوى للنشر والإتاحة أكثر لا كما كانت لكن بقراءتها قراءةً معاصرةً كما تُقرأ الهوياتُ والمدارسُ الفلسفيةُ المعاصرة .
interesting ...
ReplyDeleteشكرااااااااااااااا ا
ReplyDeleteلحظة تأمل مشرق منك سيدي
ReplyDeletevk341 replica bags dh415
ReplyDeleteThanks and that i have a neat offer you: Does Renovation Increase House Value luxury home remodeling
ReplyDeleteThank You and I have a super supply: Is It Good To Buy Old House And Renovate home addition construction
ReplyDelete