Skip to main content

النصُّ الكونيُّ والزمان والمكان / البروفيسور ستيفن جرينبلات

النصُّ الكونيُّ والزمان والمكان / البروفيسور ستيفن جرينبلات .

تعريف :
دورية Big think
تقدم مقاطع يوتوبية قصيرة في مواضيع ثقافية وعلمية و رأيت أن أترجم هذا المقطع للبروفيسور ستيفن جرينبلاتالذي يناقش فيه كونية النص من حيث سلطة الزمان والمكان عليه .

النص الكوني والزمان والمكان / ستيفن جرينبلات .
مقدمة في الفهم :
أخذت الدلالات في النصوص مكاناً جاداً بين الباحثين في هذا المجال ، ولا يبعد عن المطلعين على هذه المسألة أن أبعاده في النقود الأدبية والفنية تتواسع مذ بدأت مسألة الحداثة ، وقد نوقشت كثير من مسائل فهم النص قديماً وحديثاً على الأخص في مجالين هما النص الديني والأدبي . ولأن النص الديني كان من الأهمية بمكان في الأديان الإبراهيمية كلها فقد أسس علماء هذه الأديان لطرق تعمد إلى فهمه كما تنزَّل فقطعوا شوطاً أبعدَ في التأسيس من أصحاب الفنون لما أرادوا فهم النص الفني والأدبي وإن كان الأمر ليس حاسماً في الإثنين بعدُ .
لقد استفاد الإثنان ، النص الديني والنص الأدبي ، من أداة رئيسية في الفهم من حيث الإشتراك وهي اللغة فلا شك أن من أراد فهم نصٍ ما أي نص فعليه أن يعرف لغته أولاً و بالضرورة إلا أن الإختلاف يقع في الظروف التي أنشأت ذلك النص من الزمان والمكان ولا خلاف على أثر هذين العاملين على النصِّ بشكل عام. ولأن الموضوع هنا هو النص الأدبي وأثر الزمان والمكان عليه فسنتجاوز النص الديني .
النصُّ موجود لغيره إذا استعرنا تعبير الفلاسفة من حيث هو وسيلة للإتصال في النهاية ومع ذلك فإن رولان بارت وميشيل فوكو يقولان بموت الكاتب أو المؤلف للنص أي أن المعنى لا نهائي في النص وليس للمؤلف أن يقيد المتلقي بحدٍ في فهمه فالكتابة هي لأجل الكتابة أو إن شئتَ قلت فالتواصل لأجل التواصل أو على حد تعبير فوكو ما المهم في معرفة من المتكلم فالمهم هو الكلمة . وهذا صحيح إذا ما وقع في حدود معينة ولكنه خاطئ إذا ما وقع في حدود أخرى . على الأخص عند المتدينين . ويصعب تطبيق هذه النظرية لأنه تهدم قاعدة مهمة لدى المتلقي بكل أنواعه إذا تطلَّب منه تأويل نصٍ ما . ليس لأن تأويل هذا النص عصيٌ على المتلقي ولكن لإمكان كون النص نفسه لا يحمل المقومات التي تجعل منه نصاً عظيماً . فتفاوت القدرات بين البشر أمر قطعي ، وليسوا جميعاً على تلك الأهلية لإصدار نصوص عظيمة وقد تنبَّه البشر أنفسهم لذلك منذ بدء حالة الإتصال اللغوي لديهم فخلدت نصوص فيما ماتت نصوص أخرى . ولا أدعي هنا أن كل نص مات ليس عظيماً فليس هذا موضوعنا .
ولا أقل من أن من أصدر النص يطمح إلى فهمه بشكل ما وإلا لما كان أصدره أو لكان إصداره له ضرباً من العبث لعدم وجود الغاية من صدوره . وقد تكون هذه مشكلة من المشاكل التي نتواجه معها في الفهم . وهذا بين أهل اللغة الواحدة فكيف إذا كان النص مطروحاً على أنه كونيٌ وتتفاقم المشكلة إذا كان فنياً أكثر لأن النص الديني يحمل في ذاته قواعد وتشريعات يستغرق مفسروه في فهمه لغايات تطبيقية في العبادات والمعاملات في حين أن النص الفني ليست معضلته في فهمه فقط بل المعضلة كلها في الأحاسيس والتجارب التي يُراد تلقيها كما هي حال صدورها وهذا يفترض وجود مقدمات ثقافية محددة لدى المتلقي . ومن هنا يناقش البروفيسور في جامعة هارفارد ستيفن جرينبالت هذه المسألة في هذا المقطع القصير ويقيدها بالزمان والمكان رافضاً مسألة كونية النص بمعنى إمكان وجود حالة تجعله قادراً على البقاء بذاته الفنية كلِّها في كلِّ زمان وكل مكان ويستعيض عن ذلك بقدرة أجزاء منه على الإنتقال بسحر اللغة ومفرداتها . أقدِّمُ هنا ترجمتي للمقطع راجياً أن تكون موصلة لفكرته كما هي مع مقدمة تعريفية  .

ستيفين جرينبلات يناقش أنَّ الفنَّ محاطٌ دائماً بزمانهِ ومكانهِ و إذاما الفنُّ ذو الأثر يحتوي على عناصر كونية .
ستيفين جاي جرينبلات (المولود في السابع من نوفمبر عام ١٩٤٣) ناقدٌ أدبي ومنظِّر وعلَّامة . جرينبلات يُعدُّ أحد مؤسسي التاريخانية الحديثة ، وهي مجموعة من الممارسات النقدية عادةً هو يرجعها إلى الثقافة الشعرية  . أعماله كانت ومازالت مؤثرة منذ عام ١٩٨٠ عندما قدم نفسه ذلك الحين .
جرينبلات كتب وحرر العديد من الكتب والمقالات الشارحة للتاريخانية الحديثة والدراسات الثقافية ، والدراسات النهضوية والشكسبيرية ويعتبر خبيراً في هذه الحقول . أهم عمل له هو الحسن في العالم ، سيرة ذاتية لشكسبير عدتها صحيفة نيويورك تايمز من أحسن الكتب مبيعاً لتسعة أسابيع .
كان محرراً للنورتون أنثولوجي للأدب الأنجليزي والنورتون أنثولوجي لشكسبير وهو أيضاً مؤسس للممثلية الثقافية الأدبية الصحفية التي عادةً تنشر مقالات عن التاريخانية الحديثة .
وهو أيضاً كوجان بروفيسور( مرتبة علمية منسوبة للإسم) في الإنسانيات في جامعة هارفارد العريقة .

نص حديثه :


أعتقد أن فكرة القراءة من وجهة نظر كونية خيالية . أنت تقرأ من وجهة نظرك من مكان وزمان معين ، من حيث أنت وماذا يثيرك . ربما يمكننا حينما نصبح فضائيين\ إلكترونيين بطريقة أو أخرى و ونزيل عنا أي وجود مادي . لكن بحسب ما أعلم حتى في وضعنا الحالي ، نحن نقرأ من أشخاص معينين نحن وهم نشترك في الدهشة .
وعليه فكيفما عنينا بالكونية في الفن ، الشكسبيرية أو غيرها . أعتقد أنه ليس لديها قالعة تسمح لها بتجاوز كل شيء، كالزمان والمكان قديماً والزمان والمكان حديثاً .
هذا يعني ، أن السؤال المفتاح هو : كيف يمكن للعمل ( النص ) المكتوب في ظل ظروفٍ معينة و إثارات معينة .على الأقل أن يتكلم مع أناس آخرين ويتجاوز تلك الهوة من الزمن ؟   
أتذكر عندما كنت طالباً في العام الأول في الكلية أقرأ لشاوسر ( شاعر إنجليزي) كان يكتب في العصر الرابع عشر وأفكر ، أحقَّاً !!! لقد كانت لديهم سخرية أيضاً ؟ أنذهل من سماعي ذلك الصوت ، ذاك الضحك ، ذلك الصوت الساخر الذي كان يشبه أن يكون معاصراً لي . مع ذلك أيضاً فهمت أنه لم يكن معاصراً لي ، لقد كان مكتوباً في القرن الرابع عشر !. مرة كان هذا الشعور مع هومير ومرة مع شكسبير و كثيراً مع نصوص أخرى يجيء من بعيد .
إنْ قبلتَ ، فمالذي سيكون مثالاً ! … قصيدة لتوماس وايت كتبها في زمن هنري الثامن . وايت كان ، كما يبدو ، عشيقاً لآن بولين . وقد وجد نفسه في حالة عذاب إيروتيكي لأن عشيقته أُخذت منه . فطوى ركبه ليكتب قصيدة .
( يفرون مني لأني أحياناً سعيتُ
 بقدم عارية متبخترةً في غرفتي .
 رأيتهم أنيقين ، مرتاضين ، وادعين
من حيث أنهم الآن وحشيون ولا أتذكر
أنهم في بعض الأحيان وضعوا أنفسهم في خطر
لياخذو خبزاً من يديّ والآن هم مشغولون
بتردد ، ساعون باستمرارٍ متغير .
 … لكن مرة بالخصوص
في اصطفافٍ رقيقٍ خلف ستر شفيف ،
وقع ثوبها الفضفاض حينه من كتفيها بالفعل ،
 وعانقتني بين ذراعيها الطوال والصغار ،
 وهناك حيث بكل عذوبةٍ قبلنا بعضنا
وبعطفٍ قالت: قلبي العزيز كيف تحبُّ هذا ؟ )   
القصيدة بهذا المنوال . لكن نحن نقف لحظة هنا .
لدينا ذكرى محددة ، واحدة مميزة جداً ، لحظة مميزة ( في اصطفاف رقيق خلف ستار لطيف ) ذكرى تشهِّي تلك التي كانت حقاً عن شيء في حياته . منذ بداية القرن السادس عشر . هذا مقطع في النص مميز ، هذا النص من ديوانٍ في العصر الهنري لآن بولين من توماس وايت . لو اشتغلت القصيدة كما أراها . فهي تشتغل لأنها بطريقة ما تصنع صلةً لي تجتاز هذه الهوة من الزمن والطبقة والثقافة والهوية . لا أستطيع الشرح تماماً لمَ . أعني أنني أحاول أن أحسب محللاً نفسيا لماذا قد تحوي بعض التواصل . مع أني ميَّال لتواصلها في الذكرى . لكنَّ هناك تحمل الإتصال في اللغة : تحمل السحر في الكلمات . إنها تفعل ما يفعله النسيم حينما يعبر من خلال رئتيك . حين تُأوَّلُ الجُمل . تحملُ علاقة مع الحب والإحباط وتجاوز العقبات . و هذي هي الفتنة في الأعمال الفنية . لكن هذا لا يعني أنها كونية . هذا لا يعني أنها تجتاز الزمان والمكان . هذا يعني أنها تستطيع التنقِّل . و التنقِّل بدلاً من الكونية في الحقيقة هو مفتاح القضية . 

ترجمة
صادق النمر .




المقطع الأصلي :
http://www.youtube.com/watch?v=q49GuL5safg&list=PLE50FC91A844EEC33&index=118


ملاحظة :
النص والتعريف بالكاتب موجودان باللغة الأصلية في ذيل المقطع . ومنه كانت الترجمة .

Comments

Popular posts from this blog

عن تجربةِ الرجلِ المُعلِّقِ في الهواء ! لإبن سينا

         لا أظن أن أي تجربةٍ فلسفيةٍ ذهنيةٍ نالت من الشهرة ما نالته تجربة رينيه ديكارت المشهورة بالكوجيتو " أنا أفكر ، إذن أنا موجود ". و في هذه التجربة سعى ديكارت من خلالها أن يؤسس لمبدأ غير قابل للدحض أو الشك فيه حتى يكون منطلقاً للتعرف على الوجود من الذات التي لا سبيل إلى نكرانها مهما حذق السفسطائي في التشكيك . لكن هناك تجربةً ذهنية ليست بشهرة تجربة ديكارت وهي تجربة طرحها الشيخ الرئيس ابن سينا المعروفة ببرهان الرجل المعلق في الهواء أو الرجل الطائر.      يُروى أن ابن سينا كان جالساً في سدة درسه وطرح هذه المسألة لطلابه قائلا: لو أنك خلقتَ دفعةً واحدةً و جُردت من المحسوسات والمعقولات بحيث أعضائك وأطرافك لا سبيل إلى تماسها مع أجزائها وكنت معلقاً في الهواء وقد غفلت عن سائر أعضائك فلا تستطيع إبصارها آنذاك، فإنك بلا شكٍ لا تغفل عن ذاتك نفسها.        الإختلاف هنا بين تجربة ديكارت وتجربة ابن سينا يتركز بدايةً في الغاية من كل تجربة على حدى . فغاية ديكارت محصورة  في النظرية المع...

الكلام في مقولة ديكارت الفلسفية .

  الكلام في مقولة ديكارت الفلسفية وغيره . هاتان التعليقتان كانتا ثمرة نقاش ثري في تويتر بين الأستاذ شايع الوقيان  والأستاذ سليمان السلطان والأستاذ أمين الغافلي وكاتب هذه السطور . ولمطالعة الحوار فقد حفظت التغريدات على شكل storify في هذا الرابط .   http://storify.com/Sdqalnemer/story?utm_source=t.co&utm_content=storify-pingback&utm_campaign=&awesm=sfy.co_r9V4&utm_medium=sfy.co-twitter وقد آثرت أن تكون محفوظة في المدونة فقد نعود للإضافة عليها لاحقاً . ثلاث تعليقات نقدية على واقعية الطباطبائي فيما يتعلق بنقد الكوجيتو الديكارتي ستكون آراء المؤلف محمد حسين الطباطبائي ، والذي يشاركه مرتضى مطهري في التأليف من خلال التعليق ، باللون الأحمر. الكتاب المذكور هو " أصول الفلسفة والمنهج الواقعي" .. مع جزيل الشكر لصادق النمر الذي دلنا على الكتاب الذي يستحق القراءة لما فيه من بسط واضح ودقيق للأفكار الفلسفية مع نقد تحليلي عميق لها. والكتاب من أربع عشرة مقالة في مجلدين. التعليق الأول: في المقالة السابعة ، المجلد الثاني، ...

المحاورة بالحيلة ، عن الأغاليط المنطقية .

المحاورة بالحيلة ، كُتَيبٌ مُصوَّرٌعن الأغاليط المنطقية ، ترجمته مؤخراً . تجدونه على هذا الرابط :   https://bookofbadarguments.com/ar/ " و تظهر أهمية هذه المغالطات والجهد المبذول من المدرسة الفلسفية الغربية في تسمية هذه المغالطات أنها تختصر على الفرد الراغب في الإطلاع على المنطق بشكل عام أن يخرج وهو محمل بأثمارٍ يستطيع فوراً استخدامها ، ولا نعني بهذا أن الكتب العربية المدونة في المنطق قد تجاهلت هذا ولكنها في مجملها لم تركز على تسمية أغاليط الحجاج بل قللت من قيمة المجادل من حيثُ هو مجادل ومن باب أن المراء مذموم ، فأخرت فصول الجدل والخطابة والشعر في آخر مصنفاتها المنطقية بعد القضايا والأقيسة ، لأنَّ من يتمرس فيما سبق من القضايا والأقيسة فسوف لن يحتاج للتركيز على الجدل والخطابة إذ ستغدو تحصيلَ حاصلٍ وإن كانوا عَدَّوها من الفنون التي يستعملها السفسطائيون . " - من مقدمة الترجمة ..