Skip to main content

مشاهدُ ثلجيّة

مشاهد ثلجية -١

منذ ليلةٍ و الثلج يخطبُ على مدينتي بمنطق الزوبعة ، و الشوارع تسرع لتجمع ثوبَه ، وأسطح البيوت (الكوخية ) تباعد ما بين الجوانح لعناقه ، حتى السيارات ، خشوعاً ، تُوَّطِئُهُ أكتافَها .
كم هو غادرٌ هذا الأبيض !! 
يلبس جبةً بيضاء ويهجمُ !!
المدينة ( دنفر ) طَوَتْ مواعيدَها في مُخاتلةٍ للقَدَرِ ليَحْرَفَ الحوادثَ إلى جادِّةِ السلم ولكنه القدر  ،
 هي تختنق من أنفاس الثلج لحظةً بلحظةٍ وليس لديها مُعطِّرُ ملائكيٌّ لتلطيف الأجواء ..

- مركز الإطفاء المجاور لشقتي في كل ساعة يندب سيارة تحتفلُ بصخب وهي تعجل إلى لخطبٍ ما ؟
السماء ليست مظلمة ولكنها بنفسجية ولي أن أتحسس عويل الريح في رواقها و هتاف النجوم لمن ينتظرها وهي رهينة الخفاء . أجزم أن هناك يداً خارجية للثلج في إبهات الألوان ، و غلِّها بالبياض الذي هو أبيض الذي هو لا لون له !!
ويعجبُهُ أن يحتال على منجمي الأجواء بالتسويف والإطالة في مواعيده وهذه وعدهم باستضافته يوماً حاسماً وليلة ولا أدري هل سيوفي أم أن الشمس تخطط خلف أكمة السحب عليه  
هو لطيف مفرداً وعنيفٌ مُحتَشِداً مثل البشر .
الثلج يفضح المدن في تحديه ويريك أن لا حيلة لها في صدِّه كأن كلَّ ما هو طبيعي غيبي .

لا يعجبُ السامعونَ من صفتي / كذلك الثلجُ باردٌ حارُ

هذا الأبيض المتناقض غريب عن ثقافة الأعرابي الكاره للبرد ..

أيا ربِّ إنَّ البردَ أصبحَ كالحاً / وأنت بحالي يا إلهي أعلمُ
فإن كنتَ يوماً في جهنَّمَ مُدخلي / ففي مثلِ هذا اليومِ طابت جهنَّمُ 


تهميش -

لذتُ لبعضما قالت العرب واصفةً الثلج فكان ما قاله الأندلسي أبو جعفر بن سلام :

ولم أرَ مثل الثلجِ في حُسن منظرٍ / تقرُّ بهُ عينٌ وتشنوَّهُ النفْسُ
فنارٌ بلا نورٍ يضيءله سنا/ وقطرٌ بلا ماءٍ يُقلِّبهُ اللمْسُ
وأصبحَ ثغر الأرض يفترُّ ضاحكاً /فقد ذابَ خوفاً أن تقلَّبَهُ الشمْسُ

وكذلك ما قاله ابن حميدس الصقلِّي :

نثر الجوُّ على الأرض بَرَدْ /أي درٍّ لنحورٍ لو جَمَدْ
لؤلؤٌ أصدافُهُ السحبُ التي /أنجز البارقَ منها ما وعَدْ
ذوَّبَتْهُ من سماءٍ أدمعٌ /فوقَ أرضٍ تتلقاهُ نَجَدْ

وقال ابن خفاجة :

ألا فَضَلتْ ذيلَها ليلةٌ /تجرُّ الربابُ بها هيدبا
وقد برقَعَ الثلجُ وجه الثرى /وألحفَ غصنَ النقا فاختبى
فشابت وراءَ قناعِ الظلامِ /نواصي الغصونِ وهامُ الرُبى

ومنهم قول كشاجم :

‎ُالثلجُ يسقطُ أم لجينٌ يُسبكُ  ‫/‬ أم ذا حصى الكافورِ ظلَّ يُفرَّكُ
‎راحت بهِ الأرضُ  الفضاءُ كأنَّها ‫/‬ في كلّ  ناحيةٍ بثغرٍ تضحكُ
‎ُشابت مفارقُها فبيَّنَ ضحكها ‫/‬ طوراً وعهدي بالمشيبِ يُنِّسِكُ
‎ُأربى على خضر الغصون فأصبحت ‫/‬  كالدرِّ في قُضَبِ الزَبَرْجَدِ يَسلِكُ
‎ُوتردَّتْ الأشجارُ منهُ مُلاءة  ‫/‬عمَّا قليلٍ بالرياحِ تُهتَّكُ
‎ُكانت كعودِ الهِنْدِ طَرْياً فانكفا  ‫/‬ في لونِ أبيضَ وهو أسودُ أَحلكُ
‎ُوالجوُّ من داجي الهواءِ كأنَّه ‫/‬ ُخُلَعٌ تُعَنْبَرُ تارةً وتُمَسَّك ُ

Comments

Popular posts from this blog

عن تجربةِ الرجلِ المُعلِّقِ في الهواء ! لإبن سينا

         لا أظن أن أي تجربةٍ فلسفيةٍ ذهنيةٍ نالت من الشهرة ما نالته تجربة رينيه ديكارت المشهورة بالكوجيتو " أنا أفكر ، إذن أنا موجود ". و في هذه التجربة سعى ديكارت من خلالها أن يؤسس لمبدأ غير قابل للدحض أو الشك فيه حتى يكون منطلقاً للتعرف على الوجود من الذات التي لا سبيل إلى نكرانها مهما حذق السفسطائي في التشكيك . لكن هناك تجربةً ذهنية ليست بشهرة تجربة ديكارت وهي تجربة طرحها الشيخ الرئيس ابن سينا المعروفة ببرهان الرجل المعلق في الهواء أو الرجل الطائر.      يُروى أن ابن سينا كان جالساً في سدة درسه وطرح هذه المسألة لطلابه قائلا: لو أنك خلقتَ دفعةً واحدةً و جُردت من المحسوسات والمعقولات بحيث أعضائك وأطرافك لا سبيل إلى تماسها مع أجزائها وكنت معلقاً في الهواء وقد غفلت عن سائر أعضائك فلا تستطيع إبصارها آنذاك، فإنك بلا شكٍ لا تغفل عن ذاتك نفسها.        الإختلاف هنا بين تجربة ديكارت وتجربة ابن سينا يتركز بدايةً في الغاية من كل تجربة على حدى . فغاية ديكارت محصورة  في النظرية المع...

الكلام في مقولة ديكارت الفلسفية .

  الكلام في مقولة ديكارت الفلسفية وغيره . هاتان التعليقتان كانتا ثمرة نقاش ثري في تويتر بين الأستاذ شايع الوقيان  والأستاذ سليمان السلطان والأستاذ أمين الغافلي وكاتب هذه السطور . ولمطالعة الحوار فقد حفظت التغريدات على شكل storify في هذا الرابط .   http://storify.com/Sdqalnemer/story?utm_source=t.co&utm_content=storify-pingback&utm_campaign=&awesm=sfy.co_r9V4&utm_medium=sfy.co-twitter وقد آثرت أن تكون محفوظة في المدونة فقد نعود للإضافة عليها لاحقاً . ثلاث تعليقات نقدية على واقعية الطباطبائي فيما يتعلق بنقد الكوجيتو الديكارتي ستكون آراء المؤلف محمد حسين الطباطبائي ، والذي يشاركه مرتضى مطهري في التأليف من خلال التعليق ، باللون الأحمر. الكتاب المذكور هو " أصول الفلسفة والمنهج الواقعي" .. مع جزيل الشكر لصادق النمر الذي دلنا على الكتاب الذي يستحق القراءة لما فيه من بسط واضح ودقيق للأفكار الفلسفية مع نقد تحليلي عميق لها. والكتاب من أربع عشرة مقالة في مجلدين. التعليق الأول: في المقالة السابعة ، المجلد الثاني، ...

المحاورة بالحيلة ، عن الأغاليط المنطقية .

المحاورة بالحيلة ، كُتَيبٌ مُصوَّرٌعن الأغاليط المنطقية ، ترجمته مؤخراً . تجدونه على هذا الرابط :   https://bookofbadarguments.com/ar/ " و تظهر أهمية هذه المغالطات والجهد المبذول من المدرسة الفلسفية الغربية في تسمية هذه المغالطات أنها تختصر على الفرد الراغب في الإطلاع على المنطق بشكل عام أن يخرج وهو محمل بأثمارٍ يستطيع فوراً استخدامها ، ولا نعني بهذا أن الكتب العربية المدونة في المنطق قد تجاهلت هذا ولكنها في مجملها لم تركز على تسمية أغاليط الحجاج بل قللت من قيمة المجادل من حيثُ هو مجادل ومن باب أن المراء مذموم ، فأخرت فصول الجدل والخطابة والشعر في آخر مصنفاتها المنطقية بعد القضايا والأقيسة ، لأنَّ من يتمرس فيما سبق من القضايا والأقيسة فسوف لن يحتاج للتركيز على الجدل والخطابة إذ ستغدو تحصيلَ حاصلٍ وإن كانوا عَدَّوها من الفنون التي يستعملها السفسطائيون . " - من مقدمة الترجمة ..